أُشْعِلَ عود ثقابٍ، لتختلط نار قمته بفتيل ضعيف رقيق لا يكاد يهبط على الأرض لخفّة وزنه، فانبثقت من بين طيّات حُبَيْلاته الملفوفة بِوَهَنٍ شرارةٌ تتوقد تتطاير حولها شُريرات كُثرُ، جاءت حينها نسمة الظالم التي تنتحل وجه اللطف لتثنيها عن ثورتها، فجاعت جوعا أفقدها صوابها، فهي المكبوتة والمحبوسة في رأس كبريتٍ لا محل له من الإعراب، يقبع في صندوق "كرتونيّ" مهترئٍ وسط إخوانه من الأعوا...د، وكلٌّ منهم يصيح قهرا وغيضا وألما من شدة السواد والبرد؛ فتولدت في قلبها روح الثأر من الظلم الجاثم على صدر كل إخوتها، فخلع الظلم قناعة التودد وأرسل ريحا عظيمة لترغمها على التوقف، لكن كلما دفعتها الريح، ازداد إصرارها في المضي قدما، لعلها تجذب أنظار العالم قاطبة إلى قضيتها وما تراه من استبداد وقمع كلّ يوم. في كل خطوة تخطوها على دربها، تتفاقم قوة الريح لتدفع بتلك الشرارة قـُدُمًا بسرعة أعظم من مثيلاتها، لم تشعرْ بطول فتيلها لأن عينها لا تحملق إلا في ذلك الفنطاس العظيم الذي يحوي سر سخطها وراحتها في آن واحد، وكلما اقتربت المسافات تشهق بسعادة غارمة تصب عليها ماءً فراتًا لكنه لا يطفؤ لهيبها أبدا. اصطكّت رِجْلا الظالم فرَقًا على كرسيه الأحمر المنقوع بدم الأحرار والأبرياء، وتراقصت عيناه على مُلكه الذي لطالما ظنّ أنه لا يبلى، حينها أرسل وحدات إطفاء البلاد كلها لتخمدها، فصمدت تلك الشرارة حتى انطفأت ليعلو مكان فنائها دخان ويدنوها رماد ما تبقى من فتيلها المحترق غيظا واعتصارا !. ابتهج الظالم وتنفس الصعداء، وربض على عرشه المزعوم يزيل عرق الجبن من على جبهته الطوفانية، ولكن هيهات من تلك الثورة أن تخمد، إذ أن روح الحماس وصلت إلى أنوف كل الأعواد، فخرجت من صناديقها، وأشعلت الفتيل لتتولد من جديد شرارات أعلام الحرية والانتصار، فدحرت كل العقبات ووصلت إلى برميل البارود لتفجر أرقى أنواع الكرامة مرسلة أحلى برقية تشجيع مستعجلة إلى كل حرٌّ على هذه البسيطة.