الموت لحن
قصة قصيرة
حينما التفتت لترى من كانت خطواته تسمع في الأرجاء .. ومازال يقتفي أثرها في الطريق ..لم تجد أحدا , وكل مرة يعاود وتعاود الكرٌة , لكن لاشيء .. يغني الشارع اغنية الرمال في تلك الواحة البعيدة ..فجأة أطلقت ساقيها للريح ..خوفا أن يكون لصا يسترق السمع ويستغل نوم صمت المدينة ويقتلع قلبها من مكانه ..فها هو هذا اليوم ليله ينتصف ..لا شك وقتهم هذا الذي أخترقته .. الشيء الوحيد الذي كان يسري في كيانها أكثر ..ولايلبث قلبها ينبض بقوة ..هو طفلها الوحيد ..ذو الشعر الأشقر .. والذي لايشبهها ..هي ذات الشعر الأسود , وعيون تنير بكأبة ماض لم يسعفها لتتذوق حلاوة الحياة بمناظرها الأخاذة والرائقة ..تلك حيث يشعر الانسان بالانتماء ..عكس الاخضرا ر..وضجيج العصافير
..وللأن تصيح أذنيها بصوت زوجها الذي غاب فجأة ..الأحرى أنه كان وقحا ولايستحقني ..حوار له صدى في الشارع الكئيب .. ولاتستطرد في ذهنها تلك العلاقة التي تحتد لها الأنفس الغيورة ..تلك العلاقة التي عاشتها بكل كيانها , تذوقت فيها أبهى لحضات القبل والعناق والممرات الضيقة هناك وسط المدينة ..حيث ثملوا ذات يوم وناموا فوق تلك البقع المائية الرثة ..
هذا الشخص الأخر لاينجلي غير ظله الذي يشكل معطفا طويلا ..تغدوا أزراره بارزة كشارات شرطة المدائن وهم يراقبون الحدود في ليلة برد قارس ..حدود الهروب من بيت لأخر ..والوفاء ولاتعانقهم الراحة
..ثم سكبت دمعتين قبل أن تفتح جدارية عوالمها المتشابكة ..تستشف كل ما هو مر وتستنشق عبير ذاك الربيع المختلط بالخريف ..سقطت بعد الدمعتين قطرة دم من أنفها ..رعفت بغزارة.. إستوت على العتبة ..ووجهها إلى السماء بالكاد إنتقلت الدماء إلى عينيها ..وأضحى القمر الجميل بسحر النور أحمرا والنجوم تضيء قبعة ذلك الفنان المنتحر ..فقد تناثرت الدماء إلى عباد الشمس ذاك في الحديقة ..انفتح معها الباب من تلقاء نفسه وتبدى إبنها كبيرا ..تعلوا جبينه مرارة الأيام ولحيته الكثة , تريد أن تبوح بشيء لأمه بمامعناه " أنت جبانة ..تئنين طوال الأيام " , ومازال هوا يراقب وظله تحركه تلك المياه الباردة في ظل بحر ماخور ..
لقد كان النجوم والقمر والجدارية والابن والقفل ..كان هي التي تجلس فوق العتبة وعيونها مغرورقة بالدموع ..ضم كل شيء إلى صدره بضمها إليه ..وبكى طويلا ..قائلا " أعتذر " على شكل صرخة هادئة نابعة من أعماق أعماق ذاته .." أعتذر" ..وإهتز جسده في مكانه , كان جبانا أن يقترب منها ..بل كل مرة يحتمي لكي لاتراه .. , ونهضت من مكانها متثاقلة ..تلعن الظلام والصباح وتلعن تلك الأشجار هناك ..الكبيرة منها حيث يختبئ الظل ولاتراه ..
إرتمت على خشبة باب غرفة طفلها وبدت تسترق النظر..كانت هناك عيون بريئة فيما وراء الجفون ..تنظرإليها ..ساد ضجيج كلمات صمتها في الغرفة ..الموت الصغير حاضر هنا ..أو قد يكون شيء كقبل الولادة ..ولادة طفل وذات متمزقة ..سئمت ومللت أشكال الحياة ..همست لنفسها ..سأعود بعد لحظات ..وبكلمات ..لم تولد بعد ..مشت متثاقلة نحو درج من أدراج المطبخ ..وإنطرح السؤال ..أثمة ماأنتمي إليه هنا ؟...
بالكاد لا..وسافرت بزجاجة خمر,سكبت لها كأسا وحيدة ..كانت كافية لترمي الكأس وتقبل القنينة بشفتين باردتين ..كانت تشعر بعطش شديد ..فنامت بين الأواني التي سقطت بعد أن تركت القنينة ..
هنا فرصة الظل الذي تسول له نفسه المغامرة من جديد ..ولج المنزل بأزرار معطفه ..وإرتسمت الابتسامة في وجهه لم تكتمل حينما قاطعتها الدمعة ..رمق البيت المتناسقة أشياءه بنظرة شفقة ..أيكون الفراغ هو السبب؟
أخذها بين يديه ..وألحقها بفراش ورتب كل شيء من الأواني المتناثرة ..بعدما أغلق الباب ورائه ورحل..لم يستطع أن يرى إبنه ..
انبلج الفجر واستيقظت ..كان كابوسا مرعبا ,..كيف وصلت إلى هنا ؟ ماذا ؟ ومن ؟ ومتى ؟ ..هرولت بسرعة نحو المطبخ ..الطفل ..والظل وتلك الحديقة الصغيرة .. هنا لم يعد يستطيع أن يتذكر وأن يستمر في ذلك ..وسقط على ركبتيه يبكي وينتحب ..أحس بصداع شديد ..ونفض اوراق الخريف عن قبر أمه وأبيه ..وشرع يتذكر ثانية ..كيف قتلها وانتحر أباه..وتسمرفي مكانه طويلا ..ثم وضع أذنه ععلى قبر أمه ..عله يسمع شيئا ..وكان كلما سمعه هو صراع من جديد إبتدأ بخطوات تسمع في أرجاء الشارع ..وإستغرق في نوم طويل والمقبرة تتحدث بلغة الأوراق المتناثرة في الرياح .
تمت
23.05.2010